الخوف من الله طريق النجاة

الخوف فى اللغة :

الخَوْفُ: عند العرب هو الفَزَعُ والذعر ومنه التَّخْويفُ والإخافةُ والتَّخَوّف والنعت خائفٌ وهو الفَزِعُ .
وقال القرطبي -رحمه الله-: "والخوف في كلام العرب: الذعر، وخاوفني فلان فخفته أي: كنت أشد خوفاً منه، والخوفاء: المفازة لا ماء بها، ويقال: ناقة خوفاء وهي الجرباء .
قال الجرجاني: الخوف: توقع حلول مكروه أو فوات محبوب .

 الخوف شرعاً :

قال المناوي -رحمه الله-: الخوف توقع مكروه أو فوت محبوب، ذكره ابن الكمال، وقال الحرالي: حذر النفس من أمور ظاهرها يضره، وقال التفتازاني: غمٌ يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء، وقال الراغب: توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة كما أن الرجاء توقع محبوب كذلك وضده الأمن ويستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية.
قال الراغب في المفردات: والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ولذلك قيل: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا. والتخويف من الله تعالى: هو الحث على التحرز وعلى ذلك قوله تعالى: ذلك يخوف الله به عباده.

الخوف المحمود :

الخوف المحمود الصادق هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل فاذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والغلو .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية - الخوف المحمود هو ما حجزك عن محارم الله 

الخوف الواجب والخوف المستحب :

الخوف الواجب : وهو ما حمل على فعل الواجبات وترك المحرمات

الخوف المستحب : هو ما عمل على فعل المستحبات وترك المكروهات

الجمع بين الخوف والرجاء والحب :

لابد للعبد الصالح من الجمع بين هذه الاركان الثلاثة لان عبادة الله بالخوف وحده طريقة الخوارج فهم لا يجمعون اليه الحب والرجاء ولهذا لا يجدون للعبادة لذة ولا اليها رغبةفيجعلون الخالق بمنزلة سلطان جائر وهذا يورث اليأس والقنوط من رحمة الله وغايته اساءة الظن بالله والكفر به سبحانه .
وعبادة الله بالرجاء وحده طريقة المرجئة الذين وقعوا فى الغرور والاماني الباطلة وترك العمل الصالح وغايته الخروج من الملة .
وعبادة الله بالحب وحده طريقة الزنادقة الذين يقولون نعبد الله لاخوفا من ناره ولا طمعا فى جنته وانما حبا لذاته وهى طريقة فاسدة ولها عواقب وخيمة منها الامن من مكر الله وغايته الزندقة والخروج من الملة الصحيحة للاسلام .
ولهذا قال السلف قولة مشهورة وهى ( من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حرورى أى خارجى ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبد الله بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحد 
وقال ابن القيم رحمه الله : القلب فى سيرة نحو الله عز وجل بمنزاة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقدت الجناحان فهو عرضة لكل صائد وفاسد .

الفرق بين الخوف والخشية والرهبة والوجل والهيبة والإجلال :

الخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة، قال أبو القاسم الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجارى الأنفاس، وقيل: الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، وقيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، والخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله فهي خوف مقرون، والخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون، وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع، وأما الوجل: فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته، وأما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال: تعظيم مقرون بالحب، فالخوف: لعامة المؤمنين، والخشية: للعلماء العارفين، والهيبة: للمحبين، والإجلال: للمقربين

الخوف في القرآن 

قال الله تعالى: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم} (البقرة:38)


وقال الله تعالى: {ليعلم الله من يخافه بالغيب} (المائدة:94).

قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45], قال البغوي: ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ يعني: المؤمنين، وقال الحسن: الخائفين.

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس: 15]

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ [هود: 103]

 قال الله تعالى: ﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الشمس: 23] قال الطبري رحمه الله-: قيل إن معنى ذلك: أنعم الله عليهما بالخوف.

و قال تعالى: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشمس: 28] 

وقال تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]


و قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 94]
قال الشوكاني -رحمه الله : " ليعلم الله من يخافه بالغيب أي: ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر".

وقال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46] 
 وقال تعالى ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الذاريات: 37].

وقال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 51] 
قال ابن القيم: "والله تعالى أخبر أنه إنما تنفع الآيات والنذر لمن صدق بالوعيد وخاف عذاب الآخرة فهؤلاء هم المقصودون بالإنذار والمنتفعون بالآيات دون من عداهم". 
قال تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]
قال تعالى:﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]

 قال تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: 50]

 وقال تعالى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ [الإسراء: 57]

 قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 37].
الخائفون هم الذين يسكنهم الله الأرض من بعد القوم الظالمين، ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: 14]

وقال تعالى: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [السجدة: 16]

وقال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾ [الإنسان: 7]

 قال تعالى: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: 8] 

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ [الرعد: 21].

الخوف من الله فى السنة 

قالت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 60], قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال: «لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات».
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن رب العزة سبحانه قال ( لا اجمع على عبدي خوفين وأمنين اذا خافني فى الدنيا أمنته يوم القيامة  واذا أمنني فى الدنيا أخفته يوم القيامة) صحيح ابن حبان 

قال أبو هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة».

 الخائفون يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، عن أبي هريرة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سبعة يظلهم الله في ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
قال المباركفوري: "الظاهر أنه يقول ذلك بلسانه أما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قاله عياض قال القرطبي: إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء".

وفي الحديث عن أنس ـ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله - يا رسول الله - وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف. رواه الترمذي، وحسنه الألباني

اقوال الصالحين عن الخوف :

قال ابو سليمان ما فارق الخوف من الله قلبا الا خرب .
وقال ابراهيم ابن سفيان - اذا سكن الخوف القلوب احرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها . 
وقال ذوالنون - الناس على الطريق مالم يزل عنهم الخوف فاذا زال الخوف ضلوا الطريق .
  وقال سهل بن عبد الله التستري: "شروط الدعاء سبعة: أولها التضرع والخوف والرجاء والمدوامة والخشوع والعموم وأكل الحلال".
وقال الشوكاني: "﴿تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ وفيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفاً وجلاً طامعاً في إجابة الله لدعائه، فإنه إذا كان عند الدعاء جامعاً بين الخوف والرجاء ظفر بمطلوبه .
قال ابن قدامة: (( اعلم بأن الخوف سوط الله يسوق الله به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله عزوجل، والخوف سراج القلوب به يبصر ما فيه من الخير والشر)).
قال ابن رجب : (( والله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ونصب الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال )).
قال ابن القيم: من ثمرات الخوف أن يقمع الشهوات ويكدّر اللذات فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة مكدرة.
قال ابن القيم –رحمه الله- : كما يصير العسل مكروهاً عند من يشتهيه إذا علم أن فيه سمّاً ، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح و يذل القلب ويستكين ويفارقه الكبر والحقد والحسد ويصير مستوعب الهم لخوفه والنظر في خطر عاقبته فلا يتفرغ لغيرع ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والظنّة(البخل) بالأنفاس واللحظات ومؤاخذة النفس في الخطرات والخطوات والكلمات ويكون حاله (الخائف) كم وقع في مخالب سبع ضار لا يدري أيغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلكه ولا شغل له إلا ما وقع فيه ، فقوة المراقبة والمحاسبة بحسب قوة الخوف وقوة المعرفة بجلال الله تعالى وصفاته وبعيوب نفسه وما بين يديها من الأخطار والأهوال.
لا يجمع عبدي خوفين وامنين





 

تابع رياض الجنة على فيسبوك

المشاركات الأخيرة