‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفسير القرأن. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفسير القرأن. إظهار كافة الرسائل

أسباب نزول الآية" وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ"سورة براءة


ذكر الواحدى

*عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أُبَيٍّ ، جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه وقال : أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ، وصل عليه ، واستغفر له ، فأعطاه قميصه ، ثم قال : " آذني حتى أصلي عليه " ، فآذنه ،
فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب ، وقال : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال : " أنا بين خيرتين : أستغفر لهم ، أو لا أستغفر " . فصلى عليه ، ثم نزلت عليه هذه الآية : "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" فترك الصلاة عليهم . رواه البخاري ، عن مسدد ، ورواه مسلم ، عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد كلاهما عن يحيى بن سعيد .

*عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لما توفي عبد الله بن أُبَيٍّ دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله ، أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا ؟ أعدد أيامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : " أَخِّرْ عني يا عمر ، إني خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ ، قد قيل لي :"اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ" . قال : ثم صلى صلى الله عليه وسلم ومشى معه ، فقام على قبره حتى فرغ منه قال : فعجبت لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم . قال : فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزل : "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" . قال فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله تعالى .

وورد عند القرطبي

قوله تعالى "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ"
*روي أن هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أُبَيٍّ بن سلول وصلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه . ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما . وتظاهرت الروايات بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى عليه ، وأن الآية نزلت بعد ذلك .
ففي البخاري عن ابن عباس قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ; فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من ( براءة ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ونحوه عن ابن عمر ; خرجه مسلم .

* قال ابن عمر : لما توفي عبد الله بن أُبَيٍّ بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عليه ، فقام عمر وأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما خيرني الله تعالى فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على سبعين
قال : إنه منافق . فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" فترك الصلاة عليهم .

وإن قال قائل : فكيف قال عمر : أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ; ولم يكن تقدم نهي عن الصلاة عليهم . قيل له : يحتمل أن يكون ذلك وقع له في خاطره ، ويكون من قبيل الإلهام والتحدث الذي شهد له به النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان القرآن ينزل على مراده ، كما قال : وافقت ربي في ثلاث . وجاء : في أربع . وقد تقدم في البقرة . فيكون هذا من ذلك . ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله تعالى : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم الآية . لا أنه كان تقدم نهي على ما دل عليه حديث البخاري ومسلم . والله أعلم .
قلت : ويحتمل أن يكون فهمه من قوله تعالى : "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ "لأنها نزلت بمكة . 

و قوله تعالى : "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " الآية . وهذه الآية نزلت بمكة عند موت أبي طالب ، على ما يأتي بيانه . وهذا يفهم منه النهي عن الاستغفار لمن مات كافرا . وهو متقدم على هذه الآية التي فهم منها التخيير بقوله : إنما خيرني الله . وهذا مشكل . فقيل : إن استغفاره لعمه إنما كان مقصوده استغفارا مرجو الإجابة حتى تحصل له المغفرة . وفي هذا الاستغفار استأذن عليه السلام ربه في أن يأذن له فيه لأمه فلم يأذن له فيه . وأما الاستغفار للمنافقين الذي خير فيه فهو استغفار لساني لا ينفع ، وغايته تطييب قلوب بعض الأحياء من قرابات المستغفر له . والله أعلم .

*واختلف في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله ; فقيل : إنما أعطاه لأن عبد الله كان قد أعطى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قميصه يوم بدر . وذلك أن العباس لما أسر يوم بدر وسلب ثوبه رآه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فأشفق عليه ، فطلب له قميصا فما وجد له قميص يقادره إلا قميص عبد الله ، لتقاربهما في طول القامة ; فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء القميص أن يرفع اليد عنه في الدنيا ، حتى لا يلقاه في الآخرة وله عليه يد يكافئه بها ; خرجه البخاري عن جابر بن عبد الله قال : لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب ; فطلب النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ; فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه .

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي كذا في بعض الروايات ( من قومي ) يريد من منافقي العرب . والصحيح أنه قال : رجال من قومه . ووقع في مغازي ابن إسحاق وفي بعض كتب التفسير : فأسلم وتاب لهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف رجل من الخزرج
أكمل قراءة الموضوع

تفسير أخر آيتين من سورة البقرة وسبب نزولهما ومختصر بعض فضائلها

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }

*  قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } جاء أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف ،ومعاذ بن جبل ، وناس من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية ، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا [ ص: 50 ] بما فيها ، وإنا لمأخوذون بما نحدث به أنفسنا ، هلكنا والله . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هكذا أنزلت ، فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق . قال : فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا . واشتد ذلك عليهم ، فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به

* جاء في الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه} وهي قوله تعالى: (( آمَنَ الرَّسُولُ ...))إلى آخر سورة البقرة .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى سبعة أقوال في معنى (كفتاه) في فتح الباري عند شرحه لكتاب فضائل القرآن:
القول الأول: بمعنى أجزأتاه عن قيام الليل، فلو أنه قرأهما قبل نومه ولم يستطع تلك الليلة أن يقوم الليل فقد كفتاه عن ذلك.
القول الثاني: أنهما كفتاه من قراءة القرآن مطلقاً، سواء كان يقرأه في الصلاة أو في غير الصلاة.
القول الثالث: أنهما كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد، فكل العقيدة موجودة ومتضمنة في هاتين الآيتين، لأنهما اشتملتا على أمور الإيمان وأعماله وأصوله جميعاً، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذا القول هو ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنه المقصود لذكر هاتين الآيتين، فيكفيك في باب الاعتقاد -المجمل لا المفصل- أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ثم تفصيل ذلك يعلم ويؤخذ من أدلته.
القول الرابع: أنهما كفتاه من كل شر، فلو قرأ في ليلته هاتين الآيتين لكفتاه من كل شر، وينام ليلته تلك آمناً مطمئناً بإذن الله.
القول الخامس: وهو أخص مما قبله، أنه بمعنى كفتاه شر الشيطان، فمن قرأهما فقد كفي شر الشيطان اللعين.
القول السادس: أنهما كفتاه شر الجن والإنس.
القول السابع: بمعنى أنهما تغنيانه عن طلب الأجر فيما سواهما، فينال بقراءة هاتين الآيتين من الثواب والأجر ما يغنيه عن طلب الأجر والثواب فيما سواهما.
والثلاثة الأقوال: الرابع والخامس والسادس متقاربة، يعني: كفتاه شر كل شيء: شر الشيطان وشر الجن والإنس، فأمكن أن نجعلها خمسة أقوال.

* وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {بينما جبريل قاعد عند النبي صلـى الله عليه وسلم . سمع نقيضا من فوقه . فرفع رأسه . فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم . لم يفتح قط إلا اليوم . فنزل منه ملك . فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض . لم ينزل قط إلا اليوم . فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك . فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة . لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته}.


أكمل قراءة الموضوع

أعظم ما أمر الله به هو التوحيد



أمر الله جميع الناس وخلقهم   للتوحيد والإخلاص ، وخلقهم ليعبدوه ، وأمرهم بأن يعبدوه وحده في صلاتهم ، وصومهم ، ودعائهم ، وخوفهم ، ورجائهم ، وذبحهم ، ونذرهم ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، كله لله ، كما قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ } ، وقال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }
هذه العبادة هي التي خلق لها الناس ، خلق لها الثقلان وهي توحيد الله ، وطاعة أوامره ، واجتناب نواهيه ، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ } : يعني يوحدوني في العبادة ، ويخصوني بها ، بفعل الأوامر ، وترك النواهي  قال تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا }إلى غير ذلك من الآيات .

 وأعظم ما أمر الله به التوحيد . وهو إفراد الله بالعبادة فتقصده بالعبادة دون كل من سواه ، فلا تعبد معه صنما ولا نبيا ولا ملكا ولا حجرا ولا جنيا ولا غير ذلك .

وأعظم ما نهى عنه الشرك ؛ والشرك دعوة غيره معه ، وقد قال سبحانه : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، وقال سبحانه : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، وفي (الصحيحين) : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل : أيُّ الذَّنْبِ أعظم ؟ قال : أنْ تجعلَ لله نِدًّا وهو خلقك . قيل : ثم أيّ ؟ قال : أن تقتلَ ولدَك خشيةَ أن يطعمَ معك . قيل : ثم أي ؟ قال : أن تزني بحليلة جارك " . فبين ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الشرك أعظم الذنوب وأشدها وأخطرها . وفي الحديث الآخر يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر . قلنا : بلى يا رسول الله ! قال : الإشراك بالله" . الحديث متفق عليه . فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة . والشرك : هو دعوة غير الله مع الله . تدعوه أو تخافه أو ترجوه أو تذبح له أو تنذر أو غير ذلك من أنواع العبادة . هذا الشرك الأكبر سواء كان المدعو نبيا أو جنيا ، أو شجرا أو حجرا أو غير ذلك ، ولهذا قال تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا } ، فــ {شَيْئًا } : نكره في سياق النهي ، فتعم كل شيء ، وقال سبحانه : { وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ، فأعظم ما أمر الله به التوحيد ، وهو إفراد الله بالعبادة . وأعظم ما نهى الله عنه هو الشرك بالله عز وجل ، كما تقدم . ولهذا أكثر سبحانه وتعالى في القرآن من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك .

سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز (رحمه الله ) - من شرح كتاب الأصول الثلاثة 
أكمل قراءة الموضوع

تفسير سورة الإخلاص وسبب نزولها ومختصر بعض فضائلها


الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين
‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏‏[‏1 ـ 4‏][‏وهي‏]‏ مكية

تفسير سورة الإخلاص

‏{‏قُل‏}‏ قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه،
‏{‏هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ أي‏:‏ قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل‏.‏
{‏اللَّهُ الصَّمَدُ‏}‏ أي‏:‏ المقصود في جميع الحوائج‏.‏ فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي ‏كمل في رحمته الذي‏‏ وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه
‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد‏}‏ لكمال غناه ‏.
{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى‏.‏ فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات‏.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ866)

ذكر سبب نزولها وفضيلتها

 عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك . فأنزل الله : " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .
رواه الترمذي  - قال : " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث ، " ولم يكن له كفوا أحد " ولم يكن له شبه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .

عن ابن مسعود قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة : " قل هو الله أحد "
قال الطبراني : رواه الفريابي وغيره ، عن قيس ، عن أبي عاصم ، عن أبي وائل ، مرسلا .

ثم روى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي ، عن الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء نسبة ، ونسبة الله : " قل هو الله أحد الله الصمد " والصمد ليس بأجوف ] .

 وقال عكرمة : لما قالت اليهود : نحن نعبد عزيرا ابن الله . وقالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله . وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر . وقالت المشركون : نحن نعبد الأوثان - أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( قل هو الله أحد )
يعني : هو الواحد الأحد ، الذي لا نظير له ولا وزير ، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل ; لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله .

فضائل سورة الإخلاص

حديث آخر في فضلها : قال البخاري : حدثنا محمد - هو الذهلي - ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبي هلال : أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه ، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن - وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب " قل هو الله أحد " فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه : لأي شيء يصنع ذلك ؟ " . فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله تعالى يحبه " .

حديث آخر : قال البخاري في كتاب الصلاة : " وقال عبيد الله ، عن ثابت عن أنس قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب " قل هو الله أحد " حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة . فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى . فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم . وكانوا يرون أنه من أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره . فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ " . قال : إني أحبها . قال : " حبك إياها أدخلك الجنة " .

 وروى مبارك بن فضالة ، عن ثابت عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحب هذه السورة : " قل هو الله أحد " قال : " إن حبك إياها أدخلك الجنة " .

حديث في كونها تعدل ثلث القرآن :


 قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد . أن رجلا سمع رجلا يقرأ : " قل هو الله أحد " يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " .

حديث آخر : قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ " . فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ب " قل هو الله أحد " فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " والذي نفسي بيده ، لتعدل نصف القرآن ، أو ثلثه " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو : أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول : ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة ؟ فقالوا : وهل يستطيع ذلك أحد ؟ قال : فإن " قل هو الله أحد " ثلث القرآن . قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب ، فقال : " صدق أبو أيوب " .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا يزيد بن كيسان ، أخبرني أبو حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احشدوا ، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . فحشد من حشد ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : " قل هو الله أحد " ثم دخل فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . إني لأرى هذا خبرا جاء من السماء ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني قلت : سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن " .
 رواه مسلم في صحيحه  ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب  .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن زائدة بن قدامة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن الربيع بن خثيم ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن امرأة من الأنصار ، عن أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فإنه من قرأ : " قل هو الله أحد الله الصمد " في ليلة ، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن " .
رواه الترمذي والنسائي
.
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب - أو : رجل من الأنصار - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ب " قل هو الله أحد " فكأنما قرأ بثلث القرآن " .
ورواه النسائي في " اليوم والليلة "
.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي قيس ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن " .
 رواه ابن ماجه ،  ورواه النسائي في " اليوم والليلة "  .

حديث آخر : عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن أضعف من ذلك وأعجز . قال : " فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، ف " قل هو الله أحد " ثلث القرآن " .
ورواه مسلم والنسائي من حديث قتادة به .
.

حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة :

 قال الإمام مالك بن أنس ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول : أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع رجلا يقرأ " قل هو الله أحد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . قلت : وما وجبت ؟ قال : " الجنة " .
رواه الترمذي والنسائي من حديث مالك . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .

حديث آخر :  عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ " قل هو الله أحد " حتى يختمها ، عشر مرات ، بنى الله له قصرا في الجنة " . فقال عمر : إذن نستكثر يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " الله أكثر وأطيب " . تفرد به أحمد .

حديث في تكرار قراءتها :  

 عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه قال : أصابنا طش وظلمة ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ، فخرج فأخذ بيدي ، فقال : " قل " . فسكت . قال : " قل " . قلت : ما أقول ؟ قال : " " قل هو الله أحد " والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا ، تكفك كل يوم مرتين " .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي .


حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء : 

قال النسائي عند تفسيرها : حدثنا عبد الرحمن بن خالد ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني مالك بن مغول ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه : أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي ، يدعو يقول : اللهم ، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد . قال : " والذي نفسي بيده ، لقد سأله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب " .
وقد أخرجه بقية أصحاب السنن من طرق ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .


حديث آخر في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة : 

عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء ، وزوج من الحور العين حيث شاء : من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفيا ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات : " قل هو الله أحد " . قال : فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله ؟ قال : " أو إحداهن "

حديث آخر في فضلها مع المعوذتين : 

 عن القاسم ، عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأته فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، بم نجاة المؤمن ؟ قال : " يا عقبة ، احرس لسانك وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " . قال : ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأني فأخذ بيدي ، فقال : " يا عقبة بن عامر ، ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة ، والإنجيل والزبور ، والقرآن العظيم ؟ " . قال : قلت : بلى ، جعلني الله فداك . قال : فأقرأني : " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم قال : " يا عقبة ، لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن " . قال : فما نسيتهن منذ قال : " لا تنسهن " ، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن . قال عقبة ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك "
روى الترمذي بعضه في " الزهد .

حديث آخر في الاستشفاء بهن : 

قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا المفضل ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : "قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس "ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات .
وهكذا رواه أهل السنن ، من حديث عقيل به .

مختصر من (تفسير ابن كثير)

(اذا أعجبك الموضوع الرجاء المشاركة لتعم الفائدة والمتابعة ليصلك كل جديد )
أكمل قراءة الموضوع

اتباع الهوى هو السبيل الى الهاوية



قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 43، 44].
قسَّم الله تبارك وتعالى أمر الناس إلى قسمين لا ثالث لهما:
إما الاستجابة لله والرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وإما اتباع الهوى.
فكل ما لم يأت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو من الهوى، ومن اتبع أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر، فهما ضدان لا يجتمعان.
والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه، فلا يجد عليه مدخلاً ولا إليه طريقاً إلا من هواه، والذي يخالف هواه يَفْرَقُ الشيطان من ظله.
وإنما تطاق مخالفة الهوى بالرغبة في الله، والرغبة في ثوابه، والخوف من عقابه، والخشية من حجابه، ووجود حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى.
والهوى شارع النار الأكبر، ولذلك حذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الهوى كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].
وما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلاً، ولا يغتر أحد بصولة أهل الهوى وكبرهم، فهم أذل الناس بواطن، قد جمعوا بين رذيلتي الكبر والذل.
وكل عاقل يأنف أن يكون تحت قهر عدوه، فالشيطان إذا رأى من الإنسان ضعف عزيمة وهمة، وميلاً إلى هواه، طمع فيه وصرعه، وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد على موارد الهلكة.
والهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء.
وإن وقع الهوى في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء، ومخالفة السنة.
وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم، وصده عن الحق.
وإن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى الجور.
وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة.
وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين، حيث يولي بهواه، ويعزل بهواه.
فما قارن الهوى شيئاً إلا أفسده، وهو يسري في القلب والأعضاء سريان السم في القلب والأعضاء.
فإبليس حمله هواه على التكبر عن طاعة الله عزَّ وجلَّ لما أمره بالسجود لآدم، فطرده الله ولعنه، فهو أشقى الخلق في الدنيا والآخرة.
وآدم حمله الحرص وهوى نفسه على الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها طمعاً في الخلود، فكان عاقبة ذلك الهوى والشهوة إخراجه منها إلى دار التعب والنصب.
وفتنة الكفار حين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وابتدعوا في دينه ما لم يشرعه، وحرموا زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وتعبدوا له بالفواحش، وزعموا أن الله أمرهم بها، واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.
والحامل لهم على ذلك كله الهوى والحب الفاسد، وعليه حاربوا رسله، وكذبوا كتبه، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله حتى خسروا الدنيا والآخرة.
وقوم نوح اتبعوا أهواءهم وكذبوا رسله، واستكبروا عن الحق، فأغرقهم الله في الدنيا، ولهم النار يوم القيامة.
وقوم عاد لما دعاهم هود إلى عبادة الله وحده سفهوه وكذبوه، فعاقبهم الله بالعذاب الفظيع المستمر، بريح صرصر عاتية، تدمر كل شيء بإذن ربها، فخسروا الدنيا والآخرة.

وقوم ثمود لما كذبوا رسولهم صالحاً، واستكبروا عن الحق الذي جاء به، عاقبهم الله بالهلاك في الدنيا والآخرة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} [الأعراف: 78].
ولوط دعا قومه إلى الله، وحذرهم من فعل الفاحشة، وهي إتيان الذكران من العالمين، فكذبوه وسخروا منه، فعاقبهم الله بأن أمر جبريل فرفع بلادهم وقلبها عليهم، ثم أُتبعوا بحجارة من سجيل كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 82، 83].
وقوم شعيب حملهم على بخس المكيال والميزان فرط محبتهم للمال، وغلبهم الهوى على طاعة نبيهم شعيباً حتى أصابهم العذاب.
وفرعون وقومه حملهم الهوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى، فعاقبهم الله بالغرق في الدنيا، والإحراق بالنار في الآخرة.
وأهل السبت مسخوا قردة لما خالفوا أمر الله، واتبعوا أهواءهم.
والذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، واتبع هواه، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وقد ذكر الله في سورة الأعراف حال أهل الأهواء والشهوات وما آل إليه أمرهم مفصلاً، فالكفر والهوى أصل كل بلية: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)} ... [الأعراف: 177، 178].
وكل من بلغته الحجة ثم اتبع هواه فإن الله يرفع عنه ولايته ونصرته كما قال سبحانه: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].
وقد شبه الله عزَّ وجلَّ أتباع الهوى بأخس الحيوانات.
فشبههم بالكلب تارة كما قال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175، 176].
وشبههم بالحمر تارة كما قال سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)}
[المدثر: 49 - 51].
ومن اتبع هواه طبع الله على قلبه كما قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)} [محمد: 16].
وملاك الأمر كله الرغبة في الله .. وإرادة وجهه، والتقرب إليه .. والشوق إلى الوصول إليه .. وتحقيق مراده .. والفوز برضاه .. واتباع هداه.
فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها، وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم يكن له همة عالية تدفعه إلى ذلك فخشية النار، وما أعد الله فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه على شيء من ذلك فليعلم أنه خُلق للجحيم والسعير لا للجنة والنعيم، ولا يًقْدِر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه.
ولم يجعل الله للجنة طريقاً إلا باتباع هداه، ومخالفة العبد هواه، ولم يجعل للنار طريقاً غير اتباع العبد هواه، والإعراض عن هدى مولاه كما قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)} [النازعات: 37 - 39].
واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ومن ضل عن سبيل الله لم يصل إلى نعيم مولاه، وكانت النار مأواه كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)}
[ص: 26].
ومن نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه، وعاش في هذه الدنيا في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيم البتة.
بل التفاوت الذي بين النعيمين، كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة، وهذا لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا.
وقلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل المعاصي في جحيم من العذاب قبل الجحيم الأكبر في النار.
وقلوب الأبرار في نعيم في الدنيا قبل النعيم الأكبر في الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13، 14].
وليس النعيم والجحيم في الآخرة فقط.
بل النعيم والجحيم في دورهم الثلاث كلها:
دار الدنيا .. ودار البرزخ .. ودار القرار في الآخرة.
فهؤلاء الأبرار في نعيم .. وهؤلاء الفجار في جحيم.
وهل النعيم إلا نعيم القلب .. وهل العذاب إلا عذاب القلب.
وأي عذاب أشد من الهم والحزن، والخوف والوجل، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله، وانقطاعه عن الله.
وكل شيء تعلق به العبد وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب.
فكل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار.
فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سَلبه وفواته أو خرابه، فإذا سُلبه اشتد عذابه عليه.
فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.
وأما عذابه في البرزخ في قبره فعذاب يقارنه ألم الفراق الذي لا يرجى عوده، وألم فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده، وألم الحجاب عن الله عزَّ وجلَّ، وألم الحسرة التي تقطع الأكباد.
فالهم والغم والحسرة والحزن كل هذه تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم، بل عملها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر، وأشد وأبقى.
إن العبد الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية ربه، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة، فظل في دائرة الطاعة.
والخوف من الله عزَّ وجلَّ هو الحاجز الصلب أمام عواصف الهوى العنيفة، ونهي النفس عن الهوى هو الذي يكبح جماح النفس إلى المعصية، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قِبَل الهوى.
فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41].
ولم يكلف الله سبحانه الإنسان أن ينزع من نفسه الهوى، فإن هذا خارج عن طاقته، ولكنه كلفه أن ينهاها ويكبحها ويمسك بزمامها، وأن يستعين في هذا بالخوف من مقام ربه الجليل، وكتب له بهذا الجهاد الشاق الجنة مثابة ومأوى.
ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة هذا الجهاد، وقيمته في تهذيب النفس البشرية، ورفعها إلى مقامها الأسنى.
إن الإنسان يعلو ويسمو بهذا النهي، وبهذا الجهاد، وبهذا الارتفاع، وليس إنساناً بترك نفسه لهواها، وإطاعة جواذبه إلى دركها.
إن الذي أودع في نفس الإنسان الاستعداد لجيشان الهوى، هو الذي أودعها الاستعداد للإمساك بزمامه، ونهي النفس عنه، ورفعها من جاذبيته، وجعل له الجنة جزاء ومأوى حين ينتصر على هواه ويرقى.
والحرية نوعان:
الأولى: حرية إنسانية تليق بتكريم الله للإنسان، وهي حرية الانتصار على هوى النفس، والانطلاق من أسر الشهوة، والتصرف بها في توازن تثبت معه حرية اختيار الأحسن شرعاً.
الثانية: حرية حيوانية، وهي هزيمة الإنسان أمام هواه، وعبوديته لشهوته، وانفلات الزمام من إرادته، وهي حرية لا يهتف بها إلا مخلوق مهزوم الإنسانية، فهؤلاء وإن حملوا صورة الآدمي في الظاهر فهم هابطون إلى درك الحيوان في الباطن: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 44].
ولكل إنسان مهما كان له هوى شخصي حتى ولو كان طفيفاً، فتلك هي الطبيعة البشرية، ولكن الذي لا هوى له هو الله سبحانه، فهو سبحانه الغني الذي يملك كل شيء، ولا يحتاج إلى أحد، بل كل أحد محتاج إليه في وجوده وبقائه وحركته، فتشريعه سبحانه لا يتم عن هوى، وإنما يتم عن حق وعدل ورحمة وعلم.
وهوى النفس حينما يسيطر على الإنسان يتخذ من العلم والتطور والحرية سبيلاً ومبرراً للخروج عن منهج الله إلى هوى النفس البشرية.
وهل العلم والترقي، والحرية والطمأنينة، والعزة والسعادة إلا في اتباع منهج الله لو كانوا يعلمون؟.
فكما خلق الله كل شيء، وبين للإنسان كل شيء، وسخر له كل شيء في السموات والأرض، كذلك وضع له منهجاً يسير عليه في الحياة فيه تبيان كل شيء يحتاجه، وكما وضع للنبات أوامر، وللكواكب أوامر، كذلك وضع للإنسان أوامر يسير عليها في هذا العالم، ليكون على صلة بخالقه ومولاه.
ولكن لغلبة الهوى تشذ النفس بشهواتها عما سواها من المخلوقات المطيعة.
أفلا يستحي البشر من هذا، يتركون هدى ربهم الذي فيه فلاحهم، ويتبعون هوى أنفسهم الذي فيه هلاكهم، ويشذون بمعاصيهم عن ركب المطيعين؟
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} [آل عمران: 83].
أيبتغون غير الله رباً وهو رب كل شيء؟.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} ... [الأنعام: 164].
أيقبلون حكم المخلوق، ويعافون حكم ربهم العدل، الذي له ملك السموات والأرض، وله الخلق والأمر وحده، وإليه يرجعون؟.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)} ... [الأنعام: 114].
واعجباً لهذا الإنسان الغافل عن ربه، الجاهل بدينه وشرعه.
أو لما أعطاه الله من العلم ما يساعده على تسهيل أمور حياته من وسائل النقل والبناء والصناعة والزراعة يجعل هذا سبباً للبعد عن ربه ورفض منهجه؟
{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].
أفلا يخجل من ربه كلما أردف عليه النعم زادته كفراً وجحوداً وإعراضاً؟.
إن العلم مع الإيمان يسوق الإنسان إلى كل خير، وإن العلم بلا إيمان يهوي بالإنسان إلى كل شر كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)} [غافر: 83].
إن النفس البشرية لها شهوات، وهي تريد أن تنطلق بهذه الشهوات إلى ما تهواه، دون أن يكون لها قيود تحدها.
والله عزَّ وجلَّ قد خلقنا جميعاً، وجعل لنا ديناً واحداً، وهذا الدين يجعل عبادتنا واحدة، وشريعتنا واحدة، وقبلتنا واحدة، وحقوقنا متساوية، فإذا جاء هوى النفس يطلب ما هو حق للغير، جاء عدل الله ومنعه من ذلك.
فإن اعتدى على حق غيره عاقبه، وحينئذ يبحث هوى النفس عمن يبيح له ذلك، فيخترع آلهة من دون الله، أو يتصور أو يصور آلهة تبيح له شهوات نفسه بلا قيود.
ومن هنا فإنه يريد أن يشكل إلهه على هواه، فيتخذ أحجاراً، أو أصناماً، أو أشياء يسميها هو ولا وجود لها، ويضع لها المنهج الذي تمليه عليه نفسه، مما يحقق رغبته وشهواته، وينسبه إليها وهي غافلة عنه.

وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد ألغى عقله، واتبع هواه، وضل عن الحق: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} [الفرقان: 43، 44].
وهذا هو الضلال البعيد الذي ليس بعده ضلال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
وهو الخسران المبين في الدنيا والآخرة إنه: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)} ... [الحج: 12، 13].
فأصل كل شر ومصيبة تقديم الهوى على الوحي .. وتقديم شهوات النفس على أوامر الرب كما قال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} ... [النور: 63].
وقد رد الله على الملائكة الرأي كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30].
وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105].
وما أُخرج آدم من الجنة إلا بتقديم الرأي على النص، والشهوة على الأمر .. وما لُعن إبليس إلا بتقديم الرأي على النص .. ولا هلكت أمة من الأمم إلا بتقديم آرائها على الوحي .. ولا تفرقت الأمة شيعاً وأحزاباً وفرقاً إلا بتقديم آرائهم على النصوص.
وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن التقديم بين يدي الله ورسوله بأي قول يخالف الكتاب والسنة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1].

ومجامع الهوى خمسة أمور جمعها الله في قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد: 20].
ومن اتبع هواه وسد على نفسه أبواب الهداية، ولج في دروب الغواية، فإن الله لا يهديه، وما ظلمه الله، ولكن هو ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه باتباع هواه فمن يهديه من بعد الله؟.
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)} [الجاثية: 23].
والله تبارك وتعالى هو الهادي لكل خير، المانع من كل شر، أنزل الهدى وأمرنا باتباعه، وحذرنا من مخالفته والتعلق بغيره كما قال سبحانه: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} [الأنعام: 71].
فالقرآن العظيم هو الهدى المشتمل على المطالب العالية في الدنيا والآخرة:
فهو الهادي إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.
الذي يهدي إلى معرفة جلال الله وجماله، وإنعامه وإحسانه.
ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم وأعمالهم.
ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها.
ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال الحسنة والسيئة في الدنيا والآخرة.
فالمؤمنون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا، والذين كفروا أعرضوا عنه فشقوا في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام: 88].
وفي اتباع الهوى السعادة الأبدية والصلاح والفلاح، فما أجدر العاقل باتباع الشريعة الكاملة التي تأمر بكل خير، وتنهى عن كل شر، ومخالفة الهوى الذي يوقع في كل شر، ويمنع كل خير كما قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18].
واتباع الهوى يضل العبد عن سبيل الله، ويخرجه عن الصراط المستقيم فيقع في العذاب الشديد؛ لأنه ترك الهدى واتبع الهوى كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26].
واتباع الهوى هو إيثار ميل النفس إلى الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاص الله عزَّ وجلَّ.
وانقياد الإنسان واتباعه للشهوات يجعله في مصاف الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
وجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، والهوى شر داء خالط القلوب، وشر إله عُبد في الأرض.
وخير الناس من أخرج الشهوات من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، ومن أطاع هواه أعطى عدوه مناه.
والإنسان إذا كان كلما هوى شيئاً رَكِبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه.
وإذا تمكنت الشهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها كان كالبهائم أشبه منه بالناس.
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلاً، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل يرضى إذا حصل له ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه؛ لأن قصده الحمية لنفسه، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه، وليس قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.

وعلاج اتباع الهوى بسبعة أمور:

أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى، وإنما خلق لعبادة الله والنظر في العواقب، والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان منه وزاد عن حظ البهائم.
وفي توفير حظ الإنسان من العقل، وبخس حظه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك.
الثاني: التفكر في فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة.
الثالث: التفكر في حقيقة ما يناله باتباعه هواه من اللذات والشهوات، فإن العقل سيخبره أنه ليس بشيء، ولكن عين الهوى عمياء.
الرابع: التدبر لما يحصل له من عز الغلبة إن ملك نفسه، وذل القهر إن غلبته، فمن غلب هواه عز، ومن غلبه هواه ذل.
الخامس: التفكر في عواقب الهوى، فكم فوت من فضيلة، وكم أوقع في رذيلة مع الإثم.
السادس: تصور العاقل لانقضاء غرضه من هواه، فسيرى أن ما حصل له من الأذى يربو على اتباع الهوى أضعافاً مضاعفة.
السابع: تصور عاقبة ذلك في حق غيره، فعندئذ سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام.
{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام: 119].
فما أسفه عقول البشر حين يتبعون أهواءهم بعد بلوغهم رسالة ربهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)} [النجم: 23].
فليتبع العبد هدى ربه، ويحذر من هوى نفسه وهوى غيره، وفي طاعة ربه سعادته ونجاته: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].

وأخيرا جزا الله كاتب الموضوع خير الجزاء 
أذا اعجبك الموضوع الرجاء المشاركة لتعم الفائدة والمتابعة ليصلك كل ما هو جديد
أكمل قراءة الموضوع

العفو فى القرأن والسنة

- قال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (الاعراف 199)
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( خذ العفو ) يعني : خذ ما عفا لك من أموالهم ، وما أتوك به من شيء فخذه . وكان هذا قبل أن تنزل " براءة " بفرائض الصدقات وتفصيلها ، وما انتهت إليه الصدقات . قاله السدي .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( خذ العفو ) أنفق الفضل . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال : الفضل .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( خذ العفو ) أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين ، ثم أمره بالغلظة عليهم . واختار هذا القول ابن جرير .
وقال غير واحد ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( خذ العفو ) قال : من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس

- عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - أنه قال في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} , قال: " أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس "

- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم عيينة بن حصن , فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته , كهولا كانوا أو شبانا - فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي , هل لك وجه عند هذا الأمير؟ , فاستأذن لي عليه , فقال: سأستأذن لك عليه , قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة , فأذن له عمر , فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب , فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل , فغضب عمر حتى هم أن يوقع به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين , إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}وإن هذا من الجاهلين , قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان رضي الله عنه وقافا عند كتاب الله. 

- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (لما أنزل الله براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة , لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال , فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله , وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}  ( النور22) فقال أبو بكر: بلى والله , إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه , وقال: والله لا أنزعها منه أبدا)

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا "

- وَقال تعالى  (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) (الحجر85)
و { الصفح } : هو العفو . وقد تقدم في قوله تعالى : { فاعف عنهم واصفح } في سورة المائدة ( 13 ). وهو مستعمل هنا في لازمه وهو عدم الحزن والغضب من صنيع أعداء الدّين وحذف متعلق الصّفح لظهوره ، أي عمن كذّبك وآذاك .
{ والجميل } : الحسن . والمراد الصفح الكامل .
أكمل قراءة الموضوع

قصة نبي الله سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ

جاء يوم .. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد .. بعدها ، خرج سليمان يتفقد الجيش ، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم .
فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) .


فقال الهدهد جئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل ، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)
ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..
قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)
هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..
إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي .. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم ، وإحساسهم بالقوة ، أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
أراد رؤساء قومها أن يقولوا : نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب ..
فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان .. كان اسمه مجهولا لديها ، لم تسمع به من قبل ، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته ، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها .
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه ، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو .. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور ، وقررت أن تلجأ إلى اللين ، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة ، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية .. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه ، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته ، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته.. يرجعون بأخبار قومه وجيشه ، وفي ضوء هذه المعلومات ، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا ..
أخفت الملكة ما يدور في نفسها ، وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان ، عن طريق إرسال هدية إليه ، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب .. وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا ، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل ..
واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار ..
وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان ..
جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.
وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم ..
ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد ، وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).
وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر .. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه .. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه .. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان ..
جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه .. كان يفكر في بلقيس .. يعرف أنها في الطريق إليه .. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع .. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته ، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام . فسأل من حوله ، إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان .
فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها .. كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة ، وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في الصناعة والسبك .. وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة ..
فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس ، وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره .
لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم"قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ "
قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة .
واختلف العلماء في "الذي عنده علم الكتاب" فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.
لكن السياق القرآني ترك الاسم وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود.. نحن أمام سر معجزة كبرى وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان .. والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب ، أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يعلمه إلا الله وحده.. وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة ، وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.
هذا هو العرش ماثل أمام سليمان .. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة .. لم يستخفه الفرح بقدرته ، ولم يزهه الشعور بقوته ، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك .. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة ، ليرى أيشكر أم يكفر.
تأمل سليمان عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره ، أمر بإجراء بعض التعديلات عليه ، ليمتحن بلقيس حين تأتي ، ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون .

كما أمر سليمان ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس. واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر بحيث يقع معظمه على مياه البحر ، وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة، وعظيم الشفافية في نفس الوقت ، لكي يسير السائر في أرض القصر ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح ، ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك .
تم بناء القصر، ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته ، لم يكن يبدو أن هناك زجاجا، تلاشت أرضية القصر في البحر وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه .
يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها إلى موقفين وقعا لها بتدبيره : الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء ، وقد تركته وراءها وعليه الحراس ، والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة التي تسبح تحتها الأسماك .
لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش ، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟
قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش : (أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)
قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة : (كَأَنَّهُ هُوَ!)
قال سليمان : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).
توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها ، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته ، إن عبادتها للشمس ، ومبلغ العلم الذي هم عليه ، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه .
لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام ، بعدها سار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى ، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها ، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان .. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!
انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله ، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم .. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته .
انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء .. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان ، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده ، وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها ، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس .
ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر .. فلما نظرت لم تر الزجاج ، ورأت المياه ، وحسبت أنها ستخوض البحر، (وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا) حتى لا يبتل رداؤها .
نبهها سليمان -دون أن ينظر- ألا تخاف على ثيابها من البلل ، ليست هناك مياه (إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ) .. 
إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..
اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها .. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَوتبعها قومها على الإسلام .
أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض ، وأحد أنبياء الله الكرام.
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها .. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان بعد ذلك .. ويقال أنها تزوجت أحد رجاله .. أحبته وتزوجته ، وثبت أن بعض ملوك الحبشة من نسل هذا الزواج .. ونحن لا ندري حقيقة هذا كله .. لقد سكت القرآن الكريم عن ذكر هذه التفاصيل التي لا تخدم قصه سليمان .. ولا نرى نحن داعيا للخوض فيما لا يعرف أحد..
أكمل قراءة الموضوع

تفسير قوله تعالى ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

يقول الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر.
فمعنى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ:أي الخشية الكاملة من عباده العلماء، وهم الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه سبحانه وتعالى وتبصروا في شريعته وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره، فهم لكمال علمهم بالله وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله وأكثر الناس خوفا من الله وتعظيما له سبحانه وتعالى، وليس معنى الآية أنه لا يخشى الله إلا العلماء، فإن كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشى الله عز وجل ويخافه سبحانه، لكن الخوف متفاوت ليسوا على حد سواء، فكل ما كان المؤمن أعلم بالله وأفقه في دينه كان خوفه من الله أكثر وخشيته أكمل، وهكذا المؤمنة كلما كانت أعلم بالله وأعلم بصفاته وعظيم حقه كان خوفها من الله أعظم وكانت خشيتها لله أكمل من غيرها، وكلما قل العلم وقلت البصيرة قل الخوف من الله وقلت الخشية له سبحانه فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون، فكل ما كان العالم أعلم بالله وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه وأعلم بأسمائه وصفاته كانت خشيته لله أكمل ممن دونه في هذه الصفات، وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله،
قال ابن عباس : هم الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
وعنه قال : العالم بالرحمن من لم يشرك به شيئا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله.
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية.


أكمل قراءة الموضوع

لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

 تفسير الطبري 

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية, فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك, قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقـد أشركنـا وزنيـنا, وقتلنا النفـس التي حـرّم الله, والله يعد فاعل ذلك النار, فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان, فنـزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال ثني أبي, قال: ثني عمي, قـال: ثني أبي , عـن أبيـه, عـن ابـن عباس: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) وذلك أن أهـل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان, ودعا مع الله إلها آخر, وقتل النفس التي حرّم الله لم يغفر له, فكيف نهاجر ونسلم, وقد عبدنا الآلهة, وقتـلنا النفـس التي حرم الله ونحـن أهل الشرك؟ فأنـزل الله: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) يقول: لا تيأسوا من رحمتي, إن الله يغفر الذنوب جميعا وقال: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ وإنما يعاتب الله أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان, فإياهم عاتب, وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه, أن لا يقنط من رحمة الله, وأن ينيب ولا يبطئ بالتوبة من ذلك الإسراف, والذنب الذي عمل، وقد ذكر الله في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا الله المغفرة, فقالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف, فأمرهم بالتوبة من إسرافهم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) قال: قتل النفس في الجاهلية.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثني ابن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: نـزلت هذه الآيات الثلاث بالمدينة في وحشيّ (3) وأصحابه ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) إلى قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, قال: قال زيد بن أسلم, في قوله: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: إنما هي للمشركين.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) حتى بلغ ( الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) قال: ذكر لنا أن أناسا أصابوا ذنوبا عظاما في الجاهلية, فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لا يتاب عليهم, فدعاهم الله بهذه الآية: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ).
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ في قوله: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) قال: هؤلاء المشركون من أهل مكة, قالوا: كيف نجيبك وأنت تزعم أنه من زنى, أو قتل, أو أشرك بالرحمن كان هالكا من أهل النار؟ فكلّ هذه الأعمال قد عملناها، فأنـزلت فيهم هذه الآية: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ).
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) ... الآية قال: كان قوم مسخوطين في أهل الجاهلية, فلما بعث الله نبيه قالوا: لو أتينا محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فآمنا به واتبعناه، فقال بعضهم لبعض: كيف يقبلكم الله ورسوله فى دينه؟ فقالوا: ألا نبعث إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا؟ فلما بعثوا, نـزل القرآن: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) فقرأ حتى بلغ: فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن منصور, عن الشعبي, قال: تجالس شتير بن شكل ومسروق فقال شتير: إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك, وإما أن أحدّث فتصدّقني فقال مسروق: لا بل حدث فأصدّقك, فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية فرجا في القرآن ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) فقال مسروق: صدقت.
وقال آخرون: بل عني بذلك أهل الإسلام, وقالوا: تأويل الكلام: إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء, قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد الله, وقالوا: إنما نـزلت هذه الآية في قوم صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم, فأشفقوا أن لا يكون لهم توبة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري, قال: ثنا يحيى بن سعيد الأموي , عن ابن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال يعني عمر: كنا نقول: ما لمن افتتن من توبة، وكانوا يقولون: ما الله بقابل منا شيئا, تركنا الإسلام ببلاء أصابنا بعد معرفته, فلما قدم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المدينة أنـزل الله فيهم: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه ) ... الآية, قال عمر: فكتبتها بيدي, ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص , قال هشام: فلما جاءتني جعلت أقرؤها ولا أفهمها, فوقع في نفسي أنها أنـزلت فينا لما كنا نقول, فجلست على بعيري, ثم لحقت بالمدينة.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثني محمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال: إنما أنـزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة, والوليد بن الوليد, ونفر من المسلمين, كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذّبوا, فافتنوا، كنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عُذّبوه, فنـزلت هؤلاء الآيات, وكان عمر بن الخطاب كاتبا، قال: فكتبها بيده ثم بعث بها إلى عَيَّاش بن أبي ربيعة, والوليد بن الوليد, إلى أولئك النفر, فأسلموا وهاجروا.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: ثنا يونس, عن ابن سيرين, قال: قال عليّ رضي الله عنه : أي آية في القرآن أوسع ؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا . ونحوها, فقال علي: ما في القرآن آية أوسع من: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) ... إلى آخر الآية.
حدثنا أبو السائب, قال: ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي سعيد الأزدي, عن أبي الكنود, قال: دخل عبد الله المسجد, فإذا قاصّ يذكر النار والأغلال, قال: فجاء حتى قام على رأسه, فقال ما يذكر أتقنط الناس ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) ... الآية.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن القرظي أنه قال في هذه الآية: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) قال: هي للناس أجمعين.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: ثنا حجاج, قال: ثنا ابن لهيعة, عن أبي قنبل, قال: سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول: ثني أبو عبد الرحمن الجلائي, أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: " ما أُحِبُّ أنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيها بهذه الآية: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ )"... الآية, فقال رجل: يا رسول الله, ومن أشرك ؟ فسكت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , ثم قال: " ألا وَمَنْ أشْرَكَ, ألا ومَنْ أشْرَكَ, ثلاث مرات ".
وقال آخرون: نـزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار, فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن البرقي, قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: ثنا أبو معاذ الخراساني, عن مقاتل بن حيان, عن نافع, عن ابن عمر, قال: كنا معشر أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نرى أو نقول: إنه ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة, حتى نـزلت هذه الآية أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فلما نـزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش, قال: فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا: قد هلك, حتى نـزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فلما نـزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك, فكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه, إن لم يصب منها شيئا رجونا له.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك, لأن الله عم بقوله ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) جميع المسرفين, فلم يخصص به مسرفا دون مسرف.
فإن قال قائل: فيغفر الله الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك. وإنما عنى بقوله ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) لمن يشاء, كما قد ذكرنا قبل, أن ابن مسعود كان يقرؤه: وأن الله قد استثنى منه الشرك إذا لم يتب منه صاحبه, فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ , فأخبر أنه لا يغفر الشرك إلا بعد توبة بقوله: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا . فأما ما عداه فإن صاحبه في مشيئة ربه, إن شاء تفضل عليه, فعفا له عنه, وإن شاء عدل عليه فجازاه به.
وأما قوله: ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) فإنه يعني: لا تيأسوا من رحمة الله. كذلك حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس.
وقد ذكرنا ما في ذلك من الروايات قبل فيما مضى وبيَّنا معناه.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) يقول: إن الله يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها( إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) بهم, أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.

تفسير السعدي 

يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: { قُلْ } يا أيـها الرسـول ومـن قـام مقامه مـن الدعاة لديـن اللّه، مخـبرا للـعباد عن ربـهم :
{ يَاعِـبَادِيَ الَّذِيـنَ أَسْـرَفُـوا عَلَى أَنْفُـسِهِمْ } باتباع ما تدعـوهم إلـيه أنفسـهم مـن الذنـوب، والسعي في مساخط علام الغيوب.
{ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } أي: لا تيأسـوا منها، فتلقوا بأيديكـم إلى التهلكـة، وتقـولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليـكم الرحـمن، ولكن اعـرفـوا ربـكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنـوب جمـيعا من الشـرك، والقـتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيـان، لا تنفـك ذاته عنهـما، ولـم تـزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجـود،.تسـح يـداه من الخيـرات آنـاء اللـيل والنـهار، ويوالي النعم على العباد والفواضتل في السـر والجهـار، والعطـاء أحـب إلـيه مـن المنـع، والرحـمة سبقـت الغضب وغلبته، .ولـكن لمغفرته ورحـمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجـلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتـأله والتعـبد،. فهـلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم.
أكمل قراءة الموضوع

برنامج التفسير الميسر للقرأن الكريم

برنامج التفسير الميسر للقرأن الكريم




للتحميل اضغط هنا
أكمل قراءة الموضوع

تفسير القرأن لابن كثير

تفسير القرأن لابن كثير



للتحميل اضغط هناhttp://up.harajgulf.com/do.php?id=1061742

أكمل قراءة الموضوع
 

تابع رياض الجنة على فيسبوك

المشاركات الأخيرة