تفسير أخر آيتين من سورة البقرة وسبب نزولهما ومختصر بعض فضائلها

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }

*  قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } جاء أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف ،ومعاذ بن جبل ، وناس من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية ، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا [ ص: 50 ] بما فيها ، وإنا لمأخوذون بما نحدث به أنفسنا ، هلكنا والله . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هكذا أنزلت ، فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق . قال : فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا . واشتد ذلك عليهم ، فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به

* جاء في الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه} وهي قوله تعالى: (( آمَنَ الرَّسُولُ ...))إلى آخر سورة البقرة .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى سبعة أقوال في معنى (كفتاه) في فتح الباري عند شرحه لكتاب فضائل القرآن:
القول الأول: بمعنى أجزأتاه عن قيام الليل، فلو أنه قرأهما قبل نومه ولم يستطع تلك الليلة أن يقوم الليل فقد كفتاه عن ذلك.
القول الثاني: أنهما كفتاه من قراءة القرآن مطلقاً، سواء كان يقرأه في الصلاة أو في غير الصلاة.
القول الثالث: أنهما كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد، فكل العقيدة موجودة ومتضمنة في هاتين الآيتين، لأنهما اشتملتا على أمور الإيمان وأعماله وأصوله جميعاً، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذا القول هو ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنه المقصود لذكر هاتين الآيتين، فيكفيك في باب الاعتقاد -المجمل لا المفصل- أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ثم تفصيل ذلك يعلم ويؤخذ من أدلته.
القول الرابع: أنهما كفتاه من كل شر، فلو قرأ في ليلته هاتين الآيتين لكفتاه من كل شر، وينام ليلته تلك آمناً مطمئناً بإذن الله.
القول الخامس: وهو أخص مما قبله، أنه بمعنى كفتاه شر الشيطان، فمن قرأهما فقد كفي شر الشيطان اللعين.
القول السادس: أنهما كفتاه شر الجن والإنس.
القول السابع: بمعنى أنهما تغنيانه عن طلب الأجر فيما سواهما، فينال بقراءة هاتين الآيتين من الثواب والأجر ما يغنيه عن طلب الأجر والثواب فيما سواهما.
والثلاثة الأقوال: الرابع والخامس والسادس متقاربة، يعني: كفتاه شر كل شيء: شر الشيطان وشر الجن والإنس، فأمكن أن نجعلها خمسة أقوال.

* وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {بينما جبريل قاعد عند النبي صلـى الله عليه وسلم . سمع نقيضا من فوقه . فرفع رأسه . فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم . لم يفتح قط إلا اليوم . فنزل منه ملك . فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض . لم ينزل قط إلا اليوم . فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك . فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة . لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته}.


 

تابع رياض الجنة على فيسبوك

المشاركات الأخيرة